يمكنك التبرع باستخدام (أبل باي) باستخدام متصفح سفاري
الرياض - حي المروج
0554200750
ما الفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي؟
وأيُّهما أعمق أثرًا في بناء الفهم الصحيح للقرآن الكريم؟
في جمعية تعلّم للقرآن الكريم وعلومه نحرص على أن يدرك طلابنا منذ البداية أن علم التفسير ليس مجرد نقلٍ أو اجتهادٍ منفصل، بل هو توازن دقيق بين الاعتماد على النصوص الموثوقة التي وردت عن القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الصحابة والتابعين، وبين التدبر والفهم العميق الذي يقوم على اللغة والفقه والعقل المنضبط بضوابط الشرع.
ومن خلال برامجنا التعليمية نغرس هذا التوازن في نفوس طلابنا ليجمعوا بين أصالة المأثور وبصيرة الرأي، فيكون فهمهم للقرآن فهمًا راسخًا ينبع من العلم ويزداد بالتدبر.
هنا، سنتعرف أكثر عن الفرق بين هذين النوعين من التفسير، لنرى كيف جمع علماؤنا بين نور الوحي وهداية العقل، لبناء منهج متكامل في تفسير القرآن الكريم.
ويقصد به كل تفسير يعتمد على النقل والرواية، أي ما ورد في القرآن الكريم نفسه، أو في السنة النبوية الشريفة، أو في أقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويضيف بعض العلماء أيضًا أقوال التابعين لما امتازوا به من علم بلغة العرب وإلمام بأسباب النزول.
ويُعد هذا النوع من التفسير أدق أنواع التفسير وأقربها إلى الفهم الصحيح، لأنه يستند إلى مصادر موثوقة لا تحتمل الخطأ، أو إلى من شهدوا نزول الوحي وعاشوا معاني القرآن واقعًا.
ومن أبرز من اشتهروا بهذا النوع من التفسير:
الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله – ويُلقب بأبي المفسرين، إذ جمع في تفسيره بين الرواية الدقيقة والتحليل الموثوق.
ابن عطية الأندلسي – رحمه الله – الذي اهتم بتفسير القرآن بالقرآن، وبالأحاديث النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين.
يُقسم التفسير بالمأثور بشكل عام إلى أربعة أقسام رئيسية متفق عليها بين علماء الأصول، ويضيف بعض العلماء قسماً خامساً يتعلق بما تقتضيه اللغة العربية، ليصبح أقسام التفسير بالمأثور خمسة.
هذا هو أعلى وأقوى أقسام التفسير بالمأثور على الإطلاق، ويعني أن المفسر يفسر آية من كتاب الله بآية أخرى أو جزء من آية أخرى توضح معناها، أو تُفصّل مجملها، أو تُقيّد مطلقها.
ومن أمثلته قول الله تعالى:
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
فقد جاءت هذه الآية مفسِّرة وموضِّحة لمعنى قوله تعالى في سورة الفاتحة:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
فبيّنت الآية الأولى من هم الذين أنعم الله عليهم، وهم: الأنبياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون.
قال تعالى:
{وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ}
وقد جاء تفسير هذه الآية في الحديث الشريف الذي رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال:
سمعت رسول الله ﷺ وهو على المنبر يقول:
«ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»
(رواه مسلم).
فبيّن النبي ﷺ أن المقصود بالقوة هنا الاستعداد العسكري والرمي بالسلاح، أي إعداد القوة المادية والمعنوية لمواجهة الأعداء.
لأنهم شهدوا التنزيل وفهموا أسباب نزول الآيات ومعانيها.
لأنهم أخذوا علمهم من الصحابة وتأثروا بفهمهم، خاصة في مسائل اللغة وأسباب النزول.
هو التفسير القائم على الاجتهاد الشخصي للمفسّر، بالاعتماد على ما يمتلكه من علوم اللغة العربية، وأصول الفقه، والعقيدة، والبلاغة، وغيرها من أدوات الفهم الصحيح للنص القرآني.
ولا يعني التفسير بالرأي أنه تفسير بلا دليل، بل هو اجتهاد منضبط بالضوابط الشرعية والعلمية، فلا يجوز فيه مخالفة النصوص الثابتة أو الخروج عن قواعد اللغة وأصول التفسير.
ويُعد هذا النوع الأكثر انتشارًا في كتب المفسرين، لأنه يجمع بين الفهم العقلي والنقل الموثوق.
الإمام الزمخشري – رحمه الله – الذي برع في اللغة والبلاغة، وكان أول من وضع أسس التفسير بالرأي في كتابه الكشاف.
وتأثر به كثير من العلماء من بعده مثل الإمام الرازي، والبيضاوي، وأبي السعود، والنسفي – رحمهم الله جميعًا – الذين توسّعوا في تحليل المعاني وإبراز الجوانب البلاغية والفكرية في القرآن الكريم.
التفسير بالرأي هو الاجتهاد الذي يستند إلى أصول علمية صحيحة (كاللغة العربية وأصول الفقه والسنة)، ولا يخالف النص الثابت أو المعنى المتفق عليه. وغالباً ما يتجلى في:
استنباط الأحكام الشرعية والفقهية
مثال: تفسير الفقهاء لآيات الأحكام، كاستنباط تفاصيل وشروط صيام القضاء من قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 184).
المفسر يجتهد في تحديد معنى المرض أو السفر المبيح للفطر، ومتى يجب القضاء، وغير ذلك من التفاصيل التي لم ينص عليها القرآن بوضوح.
تفسير قوله تعالى: {مَن كانَ يُريدُ الحَياةَ الدُّنيا} (هود: 15)، حيث يُدرج العلماء تحت هذا المعنى العام كلاً من المؤمن وغير المؤمن في بادئ الأمر.
ولكن بالنظر إلى الآية اللاحقة {أُولـئِكَ الَّذينَ لَيسَ لَهُم فِي الآخِرَةِ إِلَّا النّارُ} (هود: 16)،
يُستنبط (بالرأي والاجتهاد) أن المقصود هنا هو غير المؤمن، لأن الوعيد بالنار يدل على الكفر.
لا يوجد تعارض حقيقي بين هذين النوعين، بل هما متكاملان في منهج التفسير الصحيح.
التفسير بالمأثور هو الأساس والمصدر الأول، بينما يأتي التفسير بالرأي المحمود كالاجتهاد البنّاء والمُنضبط الذي يكمّل هذا الأساس ويزيد من إضاءة معانيه.
إليك شرح العلاقة التكاملية بينهما:
التفسير بالمأثور هو المرجع الأعلى ويقدم على غيره، لأنه ينقل التفسير عن:
القرآن نفسه: تفسير آية بأخرى.
السنة النبوية: وهي الشارح العملي لكتاب الله.
أقوال الصحابة والتابعين: وهم أقرب الناس عهداً بالوحي.
دوره: هو ضمان صحة المعنى الأصلي للآية والحفاظ عليه من التحريف أو التأويل الباطل.
2. التفسير بالرأي المحمود: التكميل والاستنباط
التفسير بالرأي المحمود (الاجتهاد المُنضبط) هو الأسلوب الذي يُستخدم في تفسير ما لم يرد فيه نص ثابت، أو لتوسيع نطاق فهم النص الثابت، وذلك عبر:
فهم أسرار اللغة: استخدام قواعد النحو والبلاغة في استخراج المعاني الدقيقة واللطيفة التي لم ينص عليها السلف بوضوح.
الاستنباط والتطبيق: استخراج الأحكام الفقهية وتطبيق الدلالات الكلية للنص القرآني على المستجدات والقضايا العصرية.
الموازنة والترجيح: إذا وردت أقوال متعددة عن السلف (المأثور)، يستخدم المفسر أدوات الرأي والاجتهاد للترجيح بينها بناءً على قوة الدليل أو الأصول اللغوية.
الخلاصة: الرأي المحمود لا يتعارض مع المأثور لأنه مقيّد به.
فالمفسر بالرأي المحمود يشترط عليه ألا يخالف المأثور الصحيح، بل يبني اجتهاده عليه.
التعارض يظهر فقط بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي المذموم (التفسير بالهوى)، وهو الذي يضرب بالأصول عرض الحائط ويفسر النص القرآني بناءً على الأهواء الشخصية أو المذاهب الباطلة.
في جمعية تعلّم للقرآن الكريم وعلومه، نغرس في طلابنا منذ البداية أهمية علم التفسير ومناهجه المختلفة، ومن أبرزها التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي.
فنحن نُعرف المتعلمين بأن التفسير بالمأثور هو المنهج الذي يقوم على النقل والرواية من القرآن الكريم نفسه، ومن السنة النبوية، وأقوال الصحابة والتابعين، وهو الأساس الذي يُستمد منه الفهم الصحيح لمعاني كتاب الله، لارتباطه بالمصادر الموثوقة وبمن عاصروا نزول الوحي.
كما نُقدم للطلاب والطالبات جانب التفسير بالرأي (أو الدراية)، الذي يقوم على الاجتهاد والفهم العميق للنصوص بالاعتماد على علوم اللغة وأصول الفقه والبلاغة، ضمن ضوابط شرعية دقيقة تضمن سلامة التفسير وموافقته للمنهج الصحيح.
ومن خلال برامجنا التعليمية في الجمعية، مثل وقف النور القرآني و الحلقات القرآنية المتعددة، نحرص على تحقيق التوازن بين التلقي عن النصوص الموثوقة والتدبر والاجتهاد المنضبط، أي بين حفظ ما ورد عن السلف وفهم النصوص بوعي وبصيرة، لنقدّم لطلابنا فهمًا راسخًا يجمع بين الأصالة والتدبر.
ساهم في كفالة حلقة قرآنية، وشارك في بناء جيل يقرأ القرآن بتدبر ويستنبط معانيه بوعي وعلم.