يمكنك التبرع باستخدام (أبل باي) باستخدام متصفح سفاري
الرياض - حي المروج
0554200750
تعد سورة العاديات واحدة من السور المكية القصيرة في القرآن الكريم، التي تحمل معاني عظيمة ودروسًا بليغة.
افتتحها الله تعالى بقسمه بالخيل العاديات، لتُثير في النفس مشهد القوة والإقدام والطاعة التامة لأمر الله.
ما هو تفسير سورة العاديات؟ ولماذا أقسم الله بالخيل في هذه السورة دونًا عن باقي المخلوقات؟
هذا ما سنوضحه في هذه المدونة بالتفصيل.
يبدأ الله تعالى هذه السورة بالقَسَم، فيقول: ﴿وَالعاديات ضبحًا﴾، أي: أقسم بالخيل التي تعدو بسرعةٍ في المعارك ويُسمع من صدورها صوت شديد ناتج عن الجهد والنَّفَس القوي أثناء العدو، وهو ما يُسمى بالضبح.
وقد اختلف العلماء في المقصود بـ ﴿العاديات﴾:
فقال بعضهم: هي الإبل التي تسعى في مناسك الحج من عرفة إلى مزدلفة ثم إلى منى.
ولكن القول الأرجح – وهو ما اختاره جمهور المفسرين وابن عثيمين رحمه الله – أن المراد بها الخيل، لأن العرب تعرفها وتستخدمها في القتال، وكانوا يشاهدونها تعدو بقوة وسرعة، سواء قبل الإسلام أو بعده في سبيل الله.
ثم قال تعالى: فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾
أي: الخيل التي تُخرج الشرر عندما تضرب حوافرها الحجارة من شدة العدوّ، فكأنها تُقدِح النار من شدّة قوتها وسرعتها في الجري.
ثم قال سبحانه: فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾
أي: التي تُغير على العدو في وقت الصباح، وهذا الوقت هو أفضل أوقات الهجوم، لأن العدو يكون في غفلةٍ ونوم، فلا يستطيع الاستعداد بسرعة.
وقد كان النبي ﷺ يفعل ذلك، فلا يُغير على القوم ليلًا، بل ينتظر حتى يُصبح، فإن سمع أذانًا كفَّ عن القتال، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم.
ثم قال الله تعالى: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾
أي: فأثارت الخيل بغاراتها وغارات فرسانها غبارًا كثيفًا من شدّة الجري والكرّ والفرّ في أرض المعركة.
ثم قال سبحانه: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾
أي: اندفعت الخيل بقوةٍ حتى وصلت إلى وسط جموع الأعداء، وهذا غاية الشجاعة والبسالة، فهي لا تتوقف حتى تبلغ قلب المعركة.
وهنا، عند تفسير سورة العاديات، نجد أن الله سبحانه وتعالى يبين عظمة هذه الخيل التي سخرها لنصرة الحق، وأقسم بها لما فيها من صفات القوة والاندفاع والإقدام، وهي خيل يحبها الله ورسوله، كما قال النبي ﷺ:
"الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة"
(رواه البخاري ومسلم).
ففي هذه الآيات تصوير بليغ لمشهد مهيب من القوة والإقدام، يبرز فيه جمال الجهاد في سبيل الله وشرف الخيل التي تُسخّر لنصر الحق والدفاع عن الدين.
﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾
أي أن الإنسان بطبعه كثير الجحود لنعم الله، لا يشكرها كما ينبغي.
فهو يستمتع بما أنعم الله عليه من رزقٍ وصحةٍ وأمان، ثم ينسى المنعم سبحانه، ولا يذكر إلا القليل من الخير الذي يفعله الله به.
والـ“كنود” هو الذي يعد المصائب وينسى النعم.
﴿وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ﴾
أي أن الإنسان بنفسه يشهد على تقصيره وجحوده، فهو يعلم في قرارة نفسه أنه لم يؤدِ شكر الله كما يجب، حتى وإن حاول إنكار ذلك أمام الناس.
﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾
أي أن الإنسان شديد التعلق بحب المال والدنيا، يحرص عليها حرصًا بالغًا، وقد يُقصِّر في طاعة الله من أجلها.
وسمّى الله المال هنا “خيرًا” لأن المال في أصله وسيلة للخير، لكن التعلق المفرط به هو الذي يُفسد القلب.
﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾
أي: ألا يعلم هذا الإنسان الجاحد أنه سيأتي يوم تُقلب فيه القبور، ويُخرج الله من فيها؟
“بُعثِر” أي: أُثير وبُعثر وأُخرج ما كان مستورًا في الأرض.
﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾
أي أن الله سيُظهر ما كان في القلوب من نياتٍ وأسرارٍ، فيُجازى كل إنسان بما أخفى، كما يُجازى على ما أظهر من أعمال.
﴿إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾
أي أن الله تعالى مطّلع عليهم علمًا تامًا، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، فيحاسبهم بعدله على ما قدموا في حياتهم من خيرٍ أو شر.
عند شرح سورة العاديات سنجد أن الله سبحانه وتعالى أقسم في مطلع سورة العاديات بالخيل، فقال:
﴿وَالعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾
وهذا القسم الإلهي يحمل دلالات عظيمة ومعاني جليلة:
الخيل كانت في زمن الرسالة رمز القوة والعزة والنصرة، وهي وسيلة المجاهدين في ميادين القتال.
فأقسم الله بها ليُظهر شرف الجهاد وأهله، وليكرّم تلك الخيل التي تُساق بإيمانٍ صادق، تجري في سبيل الله لا تطلب دنيا ولا مديحًا، وإنما نصرةً لدين الحق.
الخيل في السورة ليست خيولًا عادية، بل هي خيلٌ تندفع بكل قوتها، وتقدح النار من حوافرها، وتغشى العدو في الصباح الباكر.
كل ذلك يرمز إلى الإقدام والتضحية والإخلاص، صفاتٍ يجب أن يتحلى بها المؤمن في حياته كما يتحلى بها الفارس في ميدانه.
بعد القسم بالخيل المجاهدة، يأتي التحول المفاجئ في السورة:
﴿إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾
هنا في تفسير سورة العاديات يقارن الله بين وفاء الخيل التي تبذل دون تردد، وجحود الإنسان الذي ينسى فضل ربه رغم ما أغدق عليه من نعم.
فكأن القسم يحمل عتابًا مبطنًا: يا من أعطاك الله العقل والنعمة، ألم تتأمل في خيلٍ لا تعقل، ومع ذلك تُخلص في عطائها أكثر مما تفعل أنت؟
الخيل المطيعة لأمر فارسها تُجسّد الطاعة الكاملة والانقياد الواعي.
فكما تطيع الخيل قائدها، يجب على الإنسان أن يطيع ربّه دون تردد، وأن يسخر قوته فيما يرضي الله.
في جمعية تعلّم نُدرك جيدًا أهمية علم التفسير وخاصة للأطفال، فهو المفتاح لفهم معاني القرآن الكريم وتذوق جمال آياته، ليشبّ الطفل وهو قريب من كتاب الله فهمًا ومحبةً وعملًا.
لذلك نُقدّم في مشاريعنا القرآنية وحلقاتنا التعليمية دروسًا شيقة في تفسير سور القرآن المختلفة ومنها سورة العاديات، حيث نروي لهم قصتها بأسلوب يناسب أعمارهم، ونشرح معانيها بأسلوب مبسّط يربطهم بالحياة والقيم التي تحملها السورة.
نُعلّم أطفالنا كيف يتأملون في آيات الله، ويستخلصون منها الدروس والعِبر.
وبهذا نهدف إلى بناء جيلٍ يقرأ القرآن بقلبٍ واعٍ، وعقلٍ متدبّر، ويتفهمون معنى كلام الله سبحانه وتعالى.
على مدار أكثر من 45 عامًا، كانت رسالتنا في جمعية تعلّم هي تعليم القرآن الكريم وعلومه وتدبّر معانيه بالشكل الصحيح العميق، الذي يجمع بين الفهم والتطبيق، وبين التأمل والتأثير.
فنحن لا نكتفي بتلاوة السور، بل نسعى إلى فهم معانيها وتفسيرها تفسيرًا يلامس القلب والعقل، ويُعين المتعلم على العمل بآياتها في حياته اليومية.
ومن خلال الحلقات القرآنية ومشروع الوقف القرآني الذي يضم آلاف الطلاب، نقدم برامج متكاملة في تفسير سورة العاديات وسائر سور القرآن الكريم تشمل:
دروس تفسير شاملة تربط بين المعنى اللغوي والتربوي للآيات.
جلسات حوارية تفاعلية تتيح للطلاب طرح الأسئلة ومناقشة المعاني العميقة للآيات.
برامج حفظ مع التفسير لربط الحفظ بالفهم والتدبّر في آنٍ واحد.
منصات رقمية تعليمية تتيح متابعة الدروس القرآنية عن بُعد بطريقة مرئية ومشوقة.
برامج تدريبية للمعلمين لتوصيل معاني التفسير بأسلوب مؤثر وواضح.
بهذا الأسلوب المتكامل، نضمن فهم القرآن الكريم وأياته بالشكل الصحيح وتربية جيل قرآني واعٍ، يجمع بين إتقان التلاوة وعُمق الفهم، وقادر على حمل رسالة القرآن في كل مكان.
اكفل حلقة قرآنية الآن وكن سببًا في تعليم أبنائنا تفسير سورة العاديات وسائر سور القرآن الكريم، ونشر نور الفهم والتدبر في قلوبهم، ليشبوا على حب كتاب الله والعمل به، ونل أجرُهم وأجرُ من تعلّم منهم إلى يوم القيامة.
