يمكنك التبرع باستخدام (أبل باي) باستخدام متصفح سفاري
الرياض - حي المروج
0554200750
عند تفسير سورة الرحمن ستجد نفسك أمام واحدة من سور القرآن الكريم التي تتميز بجمالٍ بديع وبلاغة فائقة، تجمع بين الروعة اللغوية والمعاني العميقة.
حيث توضح آياتها قدرة الله وعظمته، وتستعرض نعمه الكثيرة التي منحها لعباده، فتذكرنا بعظمة الخالق ووفرة ما وهبه لنا من نعم ظاهرة وباطنة.
ولأننا في جمعية تعلم للقرآن وعلومه، نهتم بعلم التفسير وندرك جيدًا أهميته في تعلم القرآن وتدبره على المعنى الصحيح
هنا، سوف نوضح لك عن ماذا تحكي سورة الرحمن؟ وما هو تفسيرها الدقيق، ولمن كانت موجهة؟ لتعيشوا معها فهمًا وتدبرًا وتذوقوا حلاوة معانيها وتأثيرها في قلوبكم.
تُفتتح السورة بذكر اسم "الرحمن" الذي وسِعت رحمته كل شيء، ثم تُوضح أنه هو الذي "عَلَّمَ الْقُرْآنَ" للإنسان، وهو الذي "خَلَقَ الْإِنْسَانَ" وعلَّمه "الْبَيَانَ"، أي القدرة على التعبير عما في نفسه، ليميزه عن سائر المخلوقات.
الكون المسخر: تُظهر الآيات التالية بعض مظاهر قدرة الله في الكون:
"الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ": يدوران في أفلاكهما بنظام دقيق لا يختل أبدًا.
"وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ": كل مخلوقات الكون، سواء النجوم والشجر يسجدان لله طوعًا.
العدل والإعمار:
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾: رفع السماء بعظمته، وشرع للبشر ميزان العدل ليُقيموا حياتهم على القسط.
﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾: تحذير من الظلم والتجاوز في الموازين والمعاملات.
﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ﴾: أمر بإقامة العدل في كل شؤون الحياة.
الأرض ونباتاتها: وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾: هيأ الله الأرض للعيش والاستقرار.
﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ﴾: فيها أنواع الفواكه، والنخل الذي يخرج ثمره من أوعية محكمة.
﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ﴾: أنبت الحبوب، والنباتات ذات الروائح الطيبة.
﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾: استفهام تذكيري متكرر يذكّر الإنس والجن بنعم الله التي لا تُحصى وبأي النعم يكذبون؟!
أصل الخلق: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾: خلق الإنسان من طين يابس.
﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾: خلق الجان من لهب النار المختلط.
رب المشارق والمغارب: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾: تدل على أن الله هو مُدبر أمر الشمس في مشرقي الصيف والشتاء، ومغربيهما، مما يدل على قدرته الكاملة على تسخير الكون لمصلحة عباده.
البحران الملتقيان:
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)
هذه الآية في تفسير سورة الرحمن تبين عظمة قدرة الله، فهو الذي أجرى البحرين العذب والمالح ليلتقيا دون أن يطغى أحدهما على الآخر، وجعل بينهما حاجزًا خفيًّا يحفظ خصائص كل منهما.
(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ )
ومن هذه البحار أخرج سبحانه اللؤلؤ والمرجان زينة للناس.
(وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾
وسخر لهم السفن الضخمة التي تشق طريقها في أمواج البحر بقوة وعظمة، مثل الجبال الشامخة.
وهذا يبرز قدرة الله تعالى الذي سخر هذه السفن الضخمة لتشق طريقها في الماء بسهولة ويسر، رغم ضخامتها، لخدمة الإنسان.
الفناء والبقاء:
"كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ": كل من على الأرض هالك، ويبقى الله تعالى وحده صاحب الجلال والكرامة.
هذه الآية تؤكد فناء كل المخلوقات وبقاء الله عز وجل.
"يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ": كل المخلوقات تسأله قضاء حوائجها، فهو المُعطي والمانع، "كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ".
يوم القيامة والجزاء
"سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ": تهديد ووعيد من الله للإنس والجان بأنه سيحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم.
"إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا": تحدي لكل من الانس والجان بأنهم لا يستطيعون الهروب من أمر الله مهما حاولوا!
"يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ": عند محاولتهم الفرار، يرسل الله عليهم لهبًا من نار ونحاسًا مذابًا، فلا يستطيعون نصرة بعضهم البعض.
"فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ": تتشقق السماء وتتغير ألوانها من شدة الهول.
"يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ": يُعرَف المجرمون بعلاماتهم الخاصة (كاسوداد الوجوه) فلا حاجة لسؤالهم عن ذنوبهم.
"فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ": يُؤخذ المجرمون من ناصية الرأس وأقدامهم ويُلقون في النار.
"هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ": يُقال لهم هذا الكلام توبيخًا، هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها!
"يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ": يُعذبون تارة في النار، وتارة يُسقون من ماء شديد الغليان.
جنتان للمتقين:
جنات عظيمة كثيرة الثمار والظلال.
أنهار جارية، وفواكه متنوعة.
زوجات طاهرات جميلات كالياقوت والمرجان.
فرش فاخرة وثمر قريب المنال.
﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾: وعدٌ كريم للمحسنين.
جنتان أدنى درجة:
خضرة كثيفة، ونخيل ورمان.
زوجات مصونات في خيام اللؤلؤ.
فرش ووسائد فاخرة خضراء اللون.
﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾: تمجيد لله صاحب العظمة والكرم المطلق.
فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
هذه الآية هي المحور الأساسي لسورة الرحمن، وعند تفسير سورة الرحمن ستجد انها تكررت 31 مرة وتأتي دائمًا بعد ذكر نعمة من نعم الله أو آية من آياته الكونية.
فالآية هنا عبارة عن استفهام إنكاري، أي سؤال ليس الغرض منه طلب إجابة، بل توبيخ المخاطب وتأكيده على حقيقة واضحة لا يمكن إنكارها!
"فبأي نعمة من نعم ربكما الكثيرة التي ذكرت، يا معشر الإنس والجان، تكذبان أو تجحدان؟"
هذا السؤال يذكر المخلوقين بنعم الله التي لا تُحصى، سواء كانت نعمًا دينية مثل القرآن والبيان، أو نعمًا دنيوية مثل خلق الإنسان، تسخير الشمس والقمر، والبحار والجبال، وتوفير الأرزاق.
فكأن الله يقول لهم: "بعد كل هذه النعم الواضحة، هل ما زلتم تكذبون بآياتي أو تنكرون فضلي؟"
يخاطب الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن الإنس والجن معًا.
جاء الخطاب بصيغة التثنية في قوله: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، و"الكاف" هنا تشير إلى مخاطَبين اثنين، أي: الإنس والجن.
ففي رواية الترمزي ثبت في الحديث أنه عندما قرأ النبي ﷺ سورة الرحمن على الجن ليلة معينة، لاحظ استجابتهم العجيبة وتأثرهم بالآيات، وعند وصوله إلى الآية "فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ"، أجاب الجن بإقرار تام: "ولا بشيء من نعمك ربنا نكذّب، فلك الحمد".
وهذا معناه أن السورة موجهة للإنس والجان معًا، لتذكيرهم بنعم الله الظاهرة والباطنة، وانذارهم بيوم الحساب، ودعوتهم إلى الإيمان بالله وشكره.
في جمعية تعلم، نعتز بأكثر من 45 عامًا من الخبرة والريادة في تعليم القرآن الكريم وعلومه في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية.
نقدم الكثير من المشاريع المباركة مثل وقف النور القرآني، حيث نتيح لآلاف الطلاب والطالبات فرصة تعلم القرآن الكريم بعمق وفهم، متوقفين عند كل آية لتدبر معانيها ليعيشوا مع القرآن فهمًا وتأملًا في حياتهم اليومية.
ولأننا ندرك أهمية علم التفسير في فهم كلام الله فهمًا صحيحًا راسخًا، نحرص على تقديم شرح متكامل لأقوال كبار المفسرين من علماء السلف القدامى مع إثراء الشرح برؤى وتوضيحات العلماء المعاصرين.
في تعلم، نأخذك في رحلة مميزة لتفسير سورة الرحمن، هذه السورة العظيمة التي تُظهر آلاء الله ونِعمه، ونوضح لك معانيها بأسلوب يجمع بين الدقة والوضوح، لتعيش مع القرآن تدبرًا لا حفظًا فقط.
وسواء كنت تسعى لفهم سورة الرحمن أو أي سورة أخرى من كتاب الله، فنحن نوفر لك نخبة من المعلمين والمشايخ المتمكنين الذين يقدمون العلم الشرعي الأصيل بأسلوب سهل ومؤثر.
كن شريكًا في هذا الخير العظيم، اكفل حلقة قرآنية مع "تعلم" الآن، وساهم في تعليم القرآن للآلاف و نشر علومه في كل مكان.