يمكنك التبرع باستخدام (أبل باي) باستخدام متصفح سفاري
الرياض - حي المروج
0554200750
هل تساءلت يومًا لماذا سميت سورة النحل بهذا الاسم؟ وما هي الدروس المستفادة من هذا المخلوق الصغير الذي ذُكر فيها؟
عند تفسير سورة النحل، ستجد نفسك أمام الكثير من الأسرار، ليس فقط في معانيها الظاهرة، بل في عمق دلالاتها التي تشير إلى عظمة الخالق وحكمته البالغة في أدق تفاصيل الكون.
حيث تكشف لنا هذه السورة المباركة كيف أن كل نعمة من نعم الله، صغيرة كانت أم كبيرة، هي بمثابة معجزة تستحق التدبر والتفكر.
إن التعمق في أسرار سورة النحل يزيد الإيمان ويُثبت اليقين بالله ويُلهم النفوس لتعظيم الخالق وشكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى.
في جمعة تعلم، و بصفتنا رائدين في تعليم القرآن الكريم وعلومه في المملكة العربية السعودية، نهتم كثيرا بعلوم التفسير لأنها الأساس لفهم كلام الله وتدبر معانيه، لذلك من خلال حلقاتنا القرآنية، نسلط الضوء على تفسير هذه السورة المباركة، مستخرجين من آياتها مقاصدها العظيمة، وأسرارها العميقة، ومعجزاتها الكونية.
يعتبر تفسير الإمام ابن كثير من أهم التفاسير التي تناولت سورة النحل، حيث يبرز منهج ابن كثير في التفسير بالمأثور، معتمدًا على آيات القرآن الكريم نفسها، والأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال الصحابة والتابعين.
ومن أبرز ما جاء في تفسيره لسورة النحل:
ركز الإمام ابن كثير في تفسيره على الآيات التي تُظهر عظمة الخالق وتفرده، موضحًا كيف أن كل ما في هذا الكون الشاسع، من أكبر المجرات إلى أصغر الكائنات، يسير بتقدير إلهي دقيق وتدبير محكم.
وضح ذلك عند تفسيره لقوله تعالى:
"وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ" (النحل: 49)
يوضح الإمام ابن كثير في تفسيره أن نعمة إنزال المطر من السماء ليست مجرد وسيلة للرزق والحياة في الدنيا، بل هي آية عظيمة ودلالة واضحة على قدرة الله على البعث والنشور.
فكما يُنزل الله المطر على الأرض الميتة فتُحيى وتنبت، فهو سبحانه قادر على أن يُحيي البشر بعد موتهم ويُعيدهم للحساب يوم القيامة.
هذا الربط بين إحياء الأرض وإحياء الأموات يثبت الإيمان بالآخرة في قلوب المؤمنين، ويُبطل أي شبهات أو إنكار من قبل المشركين والمكذبين.
تُعتبر آيات النحل (68-69) هي أساس قصة سورة النحل، ويُقدم ابن كثير تفسيرًا عميقًا لها يُبرز الإعجاز العلمي والرباني في خلق هذا الكائن الصغير.
"وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (النحل: 68-69)
يتوقف ابن كثير عند كلمة "وَأَوْحَى"، ليُبين أن هذا الإيحاء ليس نبوة، بل هو إلهام فطري من الله تعالى للنحل، يُوجهها لأداء وظيفتها ويشرح كيف تختار النحل بيوتها، وتتغذى من مختلف الثمرات والزهور، ثم تُنتج العسل الذي وصفه القرآن بـ "شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ".
هذا التفسير يوضح
كيف أن هذا المخلوق الصغير يعمل بنظام بديع يفوق عقول البشر.
العسل الذي ينتجه النحل ليس فقط غذاءً، بل دواءً شافيًا للعديد من الأمراض.
دلالة على عظمة الخالق وحكمته وقدرته البالغة.
يُعد الإكثار من الاستشهاد بالأحاديث النبوية الشريفة علامة مميزة لتفسير سورة النحل لابن كثير.
فهو لا يكتفي بتوضيح معاني الآيات من القرآن نفسه، بل يُورد الأحاديث التي جاءت لتُفصّل وتُبيّن وتُؤكد ما ورد في القرآن.
هذا المنهج يُثري التفسير بشكل كبير، ويُعطيه حجية وقوة استدلالية، حيث تُقدم السنة النبوية الشريفة التطبيق العملي للقرآن وتُفصّل مجملاته.
يشير ابن كثير إلى أن هذه الآيات تُحذر من الشرك أعظم التحذير، ويُبين سوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة. ومن خلال تفسيره، يُرسخ ابن كثير مبدأ التوحيد الخالص لله تعالى، ويُشدد على ضرورة إفراده بالعبادة والطاعة، والابتعاد عن كل مظاهر الشرك، سواء كانت ظاهرة كعبادة الأصنام، أو خفية كالرياء.
كفوله تعالى:
﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
يشير ابن كثير إلى أن هذه الآية تنزيه لله تعالى عن كل ما يُشرك به من أوثان وأنداد، مؤكدًا أنه سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص وعيب، ولا يمكن أن يكون له شريك في ملكه أو عبادته.
﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿١٩﴾ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْـًٔا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿٢٠﴾ أَمْوَٰتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍۢ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿٢١﴾ ﴾
يُفسر ابن كثير هذه الآيات ببيان أن الأصنام والمعبودات من دون الله لا تخلق شيئًا، بل هي نفسها مخلوقة، وهي جمادات لا حياة فيها ولا إدراك، فكيف يُرجى منها نفع أو شفاعة؟ وهذا تأكيد على بطلان الشرك.
تعتبر سورة النحل من السور القرآنية الغنية بالآيات التي تحث على الأخلاق الفاضلة، على سبيل المثال في قوله تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل: 90).
مع أول آية من سورة النحل، يُفاجئنا القرآن بتذكير مهيب بأن وعد الله آتٍ لا محالة، وأن الساعة أقرب مما نظن، في قوله تعالى:
﴿ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (النحل: 1)
تشير هذه الآية إلى أن ما أخبر الله به من عذاب وموعود قد اقترب ووقع، فلا ينبغي استعجاله.
وفي الوقت نفسه، تُنزّه الآية الله عز وجل عن كل شركاء يُدعون معه.
﴿ يُنَزِّلُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦٓ أَنْ أَنْذِرُوٓا أَنَّهُۥ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ ﴾ (النحل: 2)
يوضح تفسير سورة النحل أن "الروح" في هذه الآية هو الوحي، الذي تُحيا به النفوس وتُستنير به العقول.
وتستمر الآيات في عرض دلائل التوحيد، من خلال بيان عظمة خلق السماوات والأرض، حيث يقول تعالى:
﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۚ تَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ (النحل: 3)
فهذا الخلق لم يكن عبثًا، بل بدقة وحكمة تدل على عظمة الخالق واستحقاقه للعبادة وحده، منزهًا عن كل ما يُشركون به.
ثم يذكرنا الله بأصل خلق الإنسان الضعيف، فيقول:
﴿ خَلَقَ ٱلْإِنسَـٰنَ مِن نُّطْفَةٍۢ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌۭ مُّبِينٌ ﴾ (النحل: 4)
ثم يُسلّط القرآن الكريم الضوء على نعمة الأنعام فيقول:
﴿ وَٱلْأَنْعَـٰمَ خَلَقَهَا ۚ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌۭ وَمَنَـٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٥﴾ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ (النحل: 5–6)
حماية الله لأنبيائه: تتجلّى رعاية الله للنبي ﷺ من أذى المشركين، وهي نعمة عظيمة ودرس في الثقة بحفظ الله لعباده المخلصين.
التسبيح والتحميد والصلاة ليست فقط عبادات، بل هي وسائل ربانية لدفع الحزن، وتفريج الكروب، وتقوية القلب.
سُمي الوحي "روحًا" لأنه يُحيي القلوب بعد مواتها، ويُخرج النفوس من الظلمة إلى النور.
نعمة تسخير الأنعام: هذه الآيات تذكّر برحمة الله الذي ملكنا الأنعام وذللها، لننتفع بها في اللباس والطعام والركوب، ما يدل على لطفه بعباده.
في مشروع وقف النور القرآني بجمعية تعلم، لا يقتصر عملنا على تقديم تفسير سورة النحل لطلابنا فقط، بل نتجاوز ذلك لنتعمق في أسرارها وفضائلها ومعانيها، حتى نعدهم ليكونوا سفراء حقيقيين لرسالة القرآن، مدركين لكل تفاصيل الإعجاز العلمي مُطبقين للقيم والأخلاق في كل جانب من جوانب حياتهم، وملهمين لغيرهم ليتدبروا آيات الله ويعيشوا بها.
تتجلى أسرار هذه السورة في:
من أسرار السورة أنها تربط كل نعمة من نعم الله بوحدانيته وقدرته المطلقة.
فكلما ذكرت نعمة (كالماء، النبات، الأنعام، البحار، النجوم)، تتبعها آيات تُقرر أن هذا الإبداع لا يمكن أن يكون إلا من خالق واحد لا شريك له.
هذا الربط المتكرر ليس مجرد تذكير، بل هو حجة عقلية متكاملة ضد الشرك، تدعو إلى التفكر في النعم كدلائل لا تُنكر على وجود الله ووحدانيته.
لماذا سُميت السورة باسم النحل، وهي سورة مليئة بآيات الكون العظيمة؟ هذا بحد ذاته سر عظيم:
الإلهام الرباني لمخلوق ضعيف
النحل حشرة صغيرة وضعيفة، ومع ذلك، فإن تنظيمها ودقتها وإنتاجها للعسل يُعد معجزة.
كما أن ذكرها في السورة يُظهر أن وحـي الله وإلهامه لا يقتصر على الأنبياء والبشر، بل يشمل الكائنات الأخرى، وكل ذلك يسير بأمر الله وتدبيره، ويوضح فكرة أن الكون كله مسخر بأمر الله.
فيه شفاء للناس: العسل ليس مجرد غذاء، بل هو شفاء.
هذا يُشير إلى أن مكامن الشفاء والخير قد تأتي من مصادر غير متوقعة، وأن الله جعل في خلقه دواءً ودلالة.
السورة تُشير إلى الأمم السابقة وإهلاكها بسبب كفرها وتكذيبها، كما تُشدد على الوفاء بالعهود والمواثيق. السر في ذلك هو التأكيد على سنن الله في الكون والمجتمعات، وأن الظلم والكفر يؤديان إلى الهلاك، وأن العدل والوفاء هما أساس صلاح المجتمعات
تنتقل السورة بسلاسة بين آيات النعم، ثم دلائل التوحيد، ثم الرد على الشرك، ثم الأخلاق والتوجيهات الربانية.
السر في هذا التكامل هو أن سورة النحل تُقدم منهجًا متكاملًا للإيمان والحياة.
الآية 90: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" تُعتبر جامعة لكل مكارم الأخلاق ومانعة لكل الرذائل.
السر في مكانة هذه الآية هو شموليتها وتركيزها على أصول الفضائل والرذائل، مما يجعلها دستورًا أخلاقيًا لكل زمان ومكان.
متشابهات سورة النحل هي الآيات التي تتشارك في ألفاظها وعباراتها، لكنها تختلف بدقة في سياقها، أو معناها، أو الهدف من تكرارها.
هذا التباين المقصود يُبرز إعجاز القرآن ودقة نظمه.
مثال على ذلك:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
—-----------------------------------------
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)
—-------------------------------------------------
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)
وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
—-------------------------------------------------
على مدار سنوات طويلة، ونحن في جمعية تعلم للقرآن وعلومه نسعى بكل جهد وشغف لتعليم القرآن الكريم وعلومه في جميع أنحاء المملكة.
بفضل الله وتوفيقه، استطعنا تخريج آلاف الطلاب والطالبات الذين تعلموا كلام الله تعالى، وتفقهوا في أصول دينهم.
في حلقاتنا القرآنية، ندرك تمامًا أهمية علم التفسير وأنه الركيزة الأساسية لفهم كلام الله وتدبره، فمثلا عند تدريس سورة النحل لطلابنا لا نكتفي فقط بتفسير سورة النحل، بل نتجاوز ذلك لنتعمق في أسرارها، وفضائلها، ومعانيها العظيمة.
نقدم لطلابنا معلومات عن سورة النحل، ونسلط الضوء على إعجازها البياني والعلمي، ونربط آياتها بواقعهم وحياتهم اليومية.
كل ذلك يتم تحت إشراف متخصصين أكفاء من أهل العلم والخبرة، يُكرسون وقتهم وجهدهم، و متحملين مسؤولية تعليم كتاب الله بأمانة وإخلاص، يتميزون بالحرص على غرس حب القرآن في نفوس الطلاب، وتزويدهم بالعلوم الشرعية اللازمة لفهم آياته، وتطبيق تعاليمه في حياتهم.
ساهم معنا الآن في دعم الحلقات القرآنية وكن شريكًا في تعليم تفسير سورة النحل لأبنائنا، وساعدنا على بناء جيل يتدبر القرآن الكريم ويفهم معانيه.
مع تعلم، اغتنم فرصة الأجر العظيم في تعليم كتاب الله.. فكل حرف يُتلى لك به أجر!